فصل: فرع من باب الشهادة على الشهادة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


440 عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية الشيخ أبو محمد الجويني

والد إمام الحرمين أوحد زمانه علما ودينا وزهدا وتقشفا زائدا وتحريا في العبادات

كان يلقب بركن الإسلام له المعرفة التامة بالفقه والأصول والنحو والتفسير والأدب وكان لفرط الديانة مهيبا لا يجري بين يديه إلا الجد والكلام إما في علم أو زهد وتحريض على التحصيل

سمع الحديث من القفال وعدنان بن محمد الضبي وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن وابن محمش وببغداد من أبي الحسين بن بشران وجماعة

روى عنه ابنه إمام الحرمين وسهل بن إبراهيم المسجدي وعلى بن أحمد المديني وغيرهم

تفقه أولا على أبي يعقوب الأبيوردي بناحية جوين ثم قدم نيسابور واجتهد في التفقه على أبي الطيب الصعلوكي ثم ارتحل إلى مرو قاصدا القفال المروزي فلازمه حتى تخرج به مذهبا وخلافا وأتقن طريقته وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة وقعد للتدريس والفتوى ومجلس المناظرة وتعليم الخاص والعام وكان ماهرا في إلقاء الدروس

وأما زهده وورعه فإليه المنتهى

قال الإمام أبو سعيد بن الإمام أبي القاسم القشيري كان أئمتنا في عصره والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة أنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في عصره لما كان إلا هو من حسن طريقته وزهده وكمال فضله

وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقل إلينا شمائله ولافتخروا به

ومن ورعه أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلى الجدار المشترك بينه وبين جيرانه ولا يدق فيه وتدا وأنه كان يحتاط في أداء الزكاة حتى كان يؤدي في سنة واحدة مرتين حذرا من نسيان النية أو دفعها إلى غير المستحق

وعن الشيخ أبي محمد أنه قال نحن من العرب من قبيلة يقال لها سنبس

ومن ظريف ما يحكى ما ذكره أبو عبد الله الفراوي قال سمعت إمام الحرمين يقول كان والدي يقول في دعاء قنوت الصبح اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ولا تمنعنا عنه بمانع

قال إمام الحرمين وكان أبو القاسم السياري يوما اقتدى بوالدي في صلاة الصبح وقد سبق بركعة فلما قضاها قال في دعاء القنوت هذا الدعاء فقلت له لا تقل هذا في دعاء القنوت فقال أنت تخرج على كل أحد حتى على أبيك

قلت كان إمام الحرمين يرى أن الاعتدال ركن قصير فلا يزاد فيه على المأثور لأنه يطول به وفي بطلان الصلاة بتطويل اعتدال الركوع خلاف معروف بين الأصحاب مبني على قصره أو طوله بل بالغ الإمام أي إمام الحرمين فقال في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء وأشار غيره إلى تردد فيها والمعروف الصواب وجوبها ‏.‏ ‏.‏

وروي أن الشيخ أبا محمد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام فأومأ لتقبيل رجليه فمنعه ذلك تكريما له

قال فقبلت عقبيه وأولت ذلك البركة والرفعة تكون في عقبي

قلت فأي بركة ورفعة مثل إمام الحرمين ولده توفي الشيخ أبو محمد سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة بنيسابور

قال الحافظ أبو صالح المؤذن غسلته فلما لففته في الأكفان رأيت يده اليمنى إلى الإبط زهراء منيرة من غير سوء كأنها تتلألأ تلألؤ القمر فتحيرت وقلت هذه من بركات فتاويه

ومن تصانيفه الفروق والسلسلة والتبصرة والتذكرة ومختصر المختصر وشرح الرسالة وله مختصر في موقف الإمام والمأموم ووقفت على شرح على كتاب عيون المسائل التي صنفها أبو بكر الفارسي ذكر كاتبه وهو إسماعيل بن أحمد النوكاني الطريثيثي أنه علقه عن الشيخ أبي محمد الجويني وقد قدمت ذكر هذا الشرح في ترجمة الفارسي لكني رأيت الروياني ينقل في البحر أشياء جمة عن شرح عيون المسائل للقفال أخذها بألفاظها في هذا الشرح وربما أتت على سطور كثيرة كما قال في البحر في انعقاد النكاح بالمكاتبة إن القفال قال في شرح عيون المسائل فذكر أسطرا كثيرة هي بعبارتها موجودة في هذا الشرح

ومثل هذا كثير فتحيرت لأن وجدان هذا الأصل بخط المعلق نفسه يعين أنه كلام الشيخ أبي محمد ونقل الروياني يقتضى أنه كلام القفال ولعل الشيخ أبا محمد أملاه عن شيخه القفال ليجتمع هذان الأمران وإلا فكيف السبيل إلى الجمع وله تفسير كبير يشتمل على عشرة أنواع في كل آية وكتاب المحيط وسنشرح خبره

ومن شعره يرثي بعض أصدقائه ولم أسمع له غيرهما رحمه الله تعالى

رأيت العلم بكاء حزينا ** ونادى الفضل واحزنا وبوسى

سألتهما بذاك فقيل أودى ** أبو سهل بن موسى

ذكر البحث عن حال المصنف

الذي كان الشيخ أبو محمد قد بدأ فيه ثم رجع عن إتمامه لكلام أرسله إليه الحافظ أبو بكر البيهقي رحمهم الله تعالى

كان الشيخ أبو محمد قد شرع في كتاب سماه المحيط عزم فيه على عدم التقيد بالمذهب وأنه يقف على مورد الأحاديث لا يعدوها ويتجنب جانب المعصية للمذاهب فوقع إلى الحافظ أبي بكر البيهقي منه ثلاثة أجزاء فانتقد عليه أوهاما حديثية وبين أن الآخذ بالحديث الواقف عنده هو الشافعي رضي الله تعالى عنه وأن رغبته عن الأحاديث التي أوردها الشيخ أبو محمد إنما هي لعلل فيها يعرفها من يتقن صناعة المحدثين

فلما وصلت الرسالة إلى الشيخ أبي محمد قال هذه بركة العلم ودعا للبيهقي وترك إتمام التصنيف فرضى الله عنهما لم يكن قصدهما غير الحق والنصيحة للمسلمين وقد حصل عند البيهقي مما فعله الشيخ أبو محمد أمر عظيم كما يظهر من كلامه في هذه الرسالة وأنا أرى أن أسوقها بكمالها لتستفاد فإنها مشتملة على فوائد مهمة ودالة على عظيم قدر البيهقي وفيها أيضا مواضع من كتاب المحيط انتقدها البيهقي فتستفاد أيضا وبالله التوفيق

ذكر صورة الرسالة التي أرسلها إليه الحافظ البيهقي

كتب إلي أبو عبد الله الحافظ وخلق من مشيختنا عن أبي الفضل بن عساكر عن أبي روح الهروي عن أبي المظفر بن السمعاني عن أبيه الحافظ أبي سعد قال أخبرنا أبو نصر علي بن مسعود بن محمد الشجاعي إذنا قال حدثنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال سلام الله ورحمته على الشيخ الإمام وإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأصلي على رسوله بعد عصمنا الله بطاعته وأكرمنا بالاعتصام بسنة خيرته من بريته على الاقتداء بالسلف الصالحين من أمته وعافانا في ديننا ودنيانا وكفانا كل هول دون الجنة بفضله ورحمته إنه واسع المغفرة والرحمة وبه التوفيق والعصمة

فقلبي للشيخ أدام الله عصمته وأيد أيامه مقتد ولساني له بالخير ذاكر ولله تعالى على حسن توفيقه إياه شاكر والله جل ثناؤه يزيده توفيقا وتأييدا وتسديدا وقد علم الشيخ أدام الله توفيقه اشتغالي بالحديث واجتهادي في طلبه معظم مقصودي منه في الابتداء التمييز بين ما يصح الاحتجاج به من الأخبار وبين ما لا يصح حتى رأيت المحدثين من أصحابنا يرسلونها في المسائل على ما يحضرهم من ألفاظها من غير تمييز منهم بين صحيحها وسقيمها ثم إذا احتج عليهم بعض مخالفيهم بحديث شق عليهم تأويله أخذوا في تعليله بما وجدوه في كتب المتقدمين من أصحابنا تقليدا ولو عرفوه معرفتهم لميزوا صحيح ما يوافق أقوالهم من سقيمه ولأمسكوا عن كثير مما يحتجون به وإن كان يطابق آراءهم ولاقتدوا في ترك الاحتجاج برواية الضعفاء والمجهولين بإمامهم فشرطه فيمن يقبل خبره عند من يعني بمعرفته مشهور وهو بشرحه في كتاب الرسالة مسطور وما ورد من الأخبار بضعف روايته أو انقطاع إسناده كثير والعلم به على من جاهد فيه سهل يسير وقد أحتج في ترك الاحتجاج بالمجهولين بما أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ‏(‏ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي ‏)‏

قال الشافعي أحاط العلم أن النبي يأمر أحدا بحال أن يكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم فإذ أباح الحديث عن بني إسرائيل فليس أن يقبلوا الحديث الكذب على بني إسرائيل لأنه يروى عنه قال ‏(‏ من حدث بحديث وهو يراه كذبا فهو أحد الكاذبين ‏)‏ وإنما أباح قبول ذلك عمن حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه

قال وإذ فرق بين الحديث عنه والحديث عن بني إسرائيل فقال ‏(‏ حدثوا عني ولا تكذبوا علي ‏)‏ فالعلم إن شاء الله يحيط أن الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه

ثم حكى الشافعي في رد حديث الضعفاء عن ابن عمر وعن عروة بن الزبير وسعد بن إبراهيم وحكاه في كتاب العمري عن عطاء بن أبي رباح وطاوس وابن سيرين وإبراهيم النخعي ثم قال ولا لقيت ولا علمت أحدا من أهل العلم بالحديث يخالف هذا المذهب

قال الشيخ الفقيه أحمد وإنما يخالفه بعض من لا يعد من أهل الحديث فيرى قبول رواية المجهولين ما لم يعلم ما يوجب رد خبرهم

وقد قال الشافعي رضي الله عنه في أول كتاب الطهارة حين ذكر ما تكون به الطهارة من الماء واعتمد فيه على ظاهر القرآن وقد روي فيه النبي يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه ثم ذكر حديثه عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة عن النبي البحر

وعسى لم يخطر ببال فقيه من فقهاء عصرنا ريب في صحة هذا الحديث وإمامه يقول في إسناده من لا أعرفه وإنما قال ذلك لاختلاف وقع في اسم المغيرة ابن أبي بردة ثم في وصله بذكر أبي هريرة مع إيداع مالك بن أنس إياه كتابه الموطأ ومشهور فيما بين الحفاظ أنه لم يودعه رواية من يرغب عنه إلا رواية عبد الكريم أبي أمية وعطاء الخراساني فقد رغب عنهما غيره

وتوقف الشافعي في إيجاب الغسل من غسل الميت واعتذر بأن بعض الحفاظ أدخل بين أبي صالح وبين أبي هريرة إسحاق مولى زائدة وأنه لا يعرفه ولعله أن يكون ثقة

وتوقف في إثبات الوقت الثاني لصلاة المغرب مع أحاديث صحاح رويت فيه بعد إمامة جبريل عليه السلام النبي لم يثبت عنده من عدالة رواتها ما يوجب قبول خبرهم

وكأنه وقع لمحمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله بعده ما وقع له حتى لم يخرج شيئا من تلك الأحاديث في كتابه ووقف مسلم بن الحجاج رحمه الله على ما يوجب قبول خبرهم ووثق بحفظ من رفع المختلف في رفعه منها فقبله وأخرجها في الصحيح وهو في حديث أبي موسى وبريرة وعبد الله بن عمرو

واحتج الشافعي رحمه الله في كتاب أحكام القرآن برواية عائشة في أن زوج بريرة كان عبدا وأن بعض من تكلم معه قال له هل تروون عن غير عائشة أنه كان عبدا قال الشافعي في المعتقة وهي أعلم به من غيرها وقد روي من وجهين قد أثبت أنت ما هو أضعف منهما ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما فذكر حديث عكرمة عن ابن عباس وحديث القاسم العمري عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمرو أن زوج بريرة كان عبدا

وحديث عكرمة عن ابن عباس قد أخرجه البخاري في الصحيح

إلا أن عكرمة مختلف في عدالته كان مالك بن أنس رحمنا الله وإياه لا يرضاه وتكلم فيه سعيد بن المسيب وعطاء وجماعة من أهل العلم بالحديث ولذلك ترك مسلم بن الحجاج الاحتجاج بروايته في كتابه والقاسم العمري ضعيف عندهم

قال الشافعي لخصمه نحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما

وقال في أثرين ذكرهما في كتاب الحدود وهاتان الروايتان وإن لم يخالفانا غير معروفتين ونحن نرجو ألا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا يثبت خبره بمعرفته عنده

وله من هذا أشياء كثيرة يكتفي بأقل من هذا من سلك سبيل النصفة

فهذا مذهبه في قبول الأخبار وهو مذهب القدماء من أهل الآثار

قال البيهقي رضي الله عنه وكنت أسمع رغبة الشيخ رضي الله عنه في سماع الحديث والنظر في كتب أهله فأشكر إليه وأشكر الله تعالى عليه وأقول في نفسي ثم فيما بين الناس قد جاء الله عز وجل بمن يرغب في الحديث ويرغب فيه من بين الفقهاء ويميز فيما يرويه ويحتج به الصحيح من السقيم من جملة العلماء وأرجو من الله أن يحيي سنة إمامنا المطلبي في قبول الآثار حيث أماتها أكثر فقهاء الأمصار بعد من مضى من الأئمة الكبار الذين جمعوا بين نوعي علمي الفقه والأخبار ثم لم يرض بعضهم بالجهل به حتى رأيته حمل العالم به بالوقوع فيه والإزراء به والضحك منه وهو مع هذا يعظم صاحب مذهبه ويجله ويزعم أنه لا يفارق في منصوصاته قوله ثم يدع في كيفية قبول الحديث ورده طريقته ولا يسلك فيه سيرته لقلة معرفته بما عرف وكثرة غفلته عما عليه وقف هلا نظر في كتبه ثم اعتبر باحتياطه في انتقاده لرواة خبره واعتماده فيمن اشتبه عليه حاله على رواية غيره فنرى سلوك مذهبه مع دلالة العقل والسمع واجبا على كل من انتصب للفتيا فإما أن يجتهد في تعلمه أو يسكت عن الوقوع فيمن يعلمه ولا يجتمع عليه وزران حيث فاته الأجران والله المستعان وعليه التكلان

ثم إن بعض أصحاب الشيخ أدام الله عزه وقع إلى هذه الناحية فعرض علي أجزاء ثلاثة مما أملاه من كتابه المسمى بالمحيط فسررت به ورجوت أن يكون الأمر فيما يورده من الأخبار على طريقة من مضى من الأئمة الكبار لائقا بما خص به من علم الأصل والفرع موافقا لما ميز به من فضل العلم والورع فإذا أول حديث وقع عليه بصري الحديث المرفوع في النهي عن الاغتسال بالماء المشمس فقلت في نفسي يورده ثم يضعفه أو يصحح القول فيه فرأيته قد أملى والخبر فيه ما روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة

فقلت هلا قال روي عن عائشة أو روي عن ابن وهب عن مالك أو روي عن مالك أو روي عن إسماعيل بن عمرو الكوفي عن ابن وهب عن مالك أو روى خالد بن إسماعيل أو وهب بن وهب أبو البختري عن هشام بن عروة أو روى عمرو بن محمد الأعسم عن فليح عن الزهري عن عروة ليكون الحديث مضافا إلى ما يليق به مثل هذه الرواية ولا يكون في مثل هذا عن مالك بن أنس من أظنه يبرأ إلى الله تعالى من روايته ظنا مقرونا بعلم

ثم إني رأيته أدام الله عصمته أول حديث التسمية وضعف ما روي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في تأويله بحديث شهد به على الأعمش أنه رواه عن شقيق ابن سلمة عن ابن مسعود عن النبي توضأ وسمى وفيمن توضأ ولم سم

وهذا حديث تفرد به يحيى بن هاشم السمسار عن الأعمش ولا يشك أحد في ضعفه

ورواه أيضا عبد الله بن حكيم أبو بكر الداهري عن عاصم بن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا

وأبو بكر الداهري ضعيف لا يحتج بخبره

وروي من وجه آخر مجهول عن أبي هريرة ولا يثبت

وحديث التسمية قد روي من أوجه ما وجه من وجوهها إلا وهو مثل إسناد من أسانيد ما روي في مقابلته ومع ذلك فأحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول لا أعلم فيه حديثا ثابتا

فقلت في نفسي قد ترك الشيخ حرس الله مهجته القوم فيما أحدثوا من المساهلة في رواية الأحاديث وأحسبه سلك هذه الطريقة فيما حكى لي عنه عن مسحه وجهه بيديه في قنوت صلاة الصبح وأحسن الظن برواية من روى مسح الوجه باليدين بعد الدعاء مع ما أخبرنا

أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو بكر الخراجي قال حدثنا سارية حدثنا عبد الكريم السكري قال حدثنا وهب بن زمعة أخبرني على الناسائي قال سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه فلم يجب

قال علي ولم أره يفعل ذلك قال علي وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه في القنوت

وأخبرنا أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر بن داسة قال قال أبو داود السجستاني روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا

يريد به حديث عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس عن النبي ‏(‏ سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ‏)‏

وروي ذلك من أوجه أخر كلها أضعف من رواية من رواها عن ابن عباس

وكان أحمد بن حنبل ينكرها وحكي عنه أنه قال في الصلاة لا ولا بأس به في غير الصلاة

قال الفقيه وهذا لما في استعماله في الصلاة من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر وقد يدعو في آخر تشهده ثم لا يرفع يديه ولا يمسحهما بوجهه إذ لم يرد بهما أثر فكذا في دعاء القنوت يرفع يديه لورود الأثر به ولا يمسح بهما وجهه إذ لم يثبت فيه أثر

وبالله التوفيق

وعندي أن من سلك من الفقهاء هذه الطريقة في المساهلة أنكر عليه قوله مع كثرة ما روي من الأحاديث في خلافه وإذا كان هذا اختياره فسبيله أدام الله توفيقه يملي في مثل هذه الأحاديث روي عن فلان ولا يقول روى فلان لئلا يكون شاهدا على فلان بروايته من غير ثبت وهو إن فعل ذلك وجد نفسه متبعا

فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا الوليد الفقيه يقول لما سمع أبو عثمان الحيري من أبي جعفر بن حمدان كتابه المخرج على كتاب مسلم كان يديم النظر فيه فكان إذا جلس للذكر يقول في بعض ما يذكر من الحديث قال رسول الله في بعضه روي عن رسول الله فنظرنا فإذا به قد حفظ ما في الكتاب حتى ميز بين صحيح الأخبار وسقيمها

وأبو عثمان الحيري يحتاط في هذا النوع من الاحتياط فيما يدير من الأخبار في المواعظ وفي فضائل الأعمال فالذي يديرها في الفرض والنفل ويحتج بها في الحرام والحلال أولى بالاحتياط وأحوج إليه وبالله التوفيق

قال الفقيه وقد رأيت بعض من أوردت عليه شيئا من هذه الطريقة فزع في ردها إلى اختلاف الحفاظ في تصحيح الأخبار وتضعيفها ولو عرف حقيقة اختلافهم لعلم أن لا فرج له في الاحتجاج به كما لا فرج لمن خالفنا في أصول الديانات في الاحتجاج علينا باختلافنا في المجتهدات

واختلاف الحفاظ في ذلك لا يوجب رد الجميع ولا قبول الجميع وكان من سبيله أن يعلم أن الأحاديث المروية على ثلاثة أنواع نوع اتفق أهل العلم به على صحته ونوع اتفقوا على ضعفه ونوع اختلفوا في ثبوته فبعضهم يضعف بعض رواته بجرح ظهر له وخفي على غيره أو لم يظهر له من عدالته ما يوجب قبول خبره وقد ظهر لغيره أو عرف منه معنى يوجب عنده رد خبره وذلك المعنى لا يوجبه عند غيره أو عرف أحدهما علة حديث ظهر بها انقطاعه لو انقطاع بعض ألفاظه أو إدراج لفظ من ألفاظ من رواه في متنه أو دخول إسناد حديث في إسناد غيره خفيت تلك العلة على غيره فإذا علم هذا وعرف معنى رد من رد منهم خبرا أو قبول من قبله منهم هداه الوقوف عليه والمعرفة به إلى اختيار أصح القولين إن شاء الله

قال الفقيه وكنت أدام الله عز الشيخ أنظر في كتب بعض أصحابنا وحكايات من حكى منهم عن الشافعي رضي الله عنه نصا وأنظر اختلافهم في بعضها فيضيق قلبي بالاختلاف مع كراهية الحكاية من غير ثبت فحملني ذلك على نقل مبسوط ما اختصره المزني رحمه الله على ترتيب المختصر ثم نظرت في كتاب التقريب وكتاب جمع الجوامع وعيون المسائل وغيرها فلم أر أحدا منهم فيما حكاه أوثق من صاحب التقريب وهو في النصف الأول من كتابه أكثر حكاية لألفاظ الشافعي منه في النصف الأخير وقد غفل في النصفين جميعا مع اجتماع الكتب له أو أكثرها وذهاب بعضها في عصرنا عن حكاية ألفاظ لا بد لنا من معرفتها لئلا نجترىء على تخطئة المزني في بعض ما نخطئه فيه وهو عنه بريء ولنتخلص بها عن كثير من تخريجات أصحابنا

ومثال ذلك من الأجزاء التي رأيتها من كتاب المحيط من أوله إلى مسألة التفريق أن أكثر أصحابنا والشيخ أدام الله عزه معهم يوردون الذنب في تسمية البحر بالمالح إلى أبي إبراهيم المزني ويزعمون أنها لم توجد للشافعي رحمه الله تعالى

قد سمي الشافعي البحر مالحا في كتاببين

قال الشافعي في آمالي الحج في مسألة كون المحترم في صيد البحر كالحلال والبحر إما العذب وإما المالح

قال الله تعالى ‏{‏هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ‏}‏ وقال في كتاب المناسك الكبير في الآية دليل أن البحر العذب والمالح

وذكر الشيخ أبقاه الله حدثنا الشيخ الإمام أبو بكر رحمه الله أحد قولي الشافعي في أكل الجلد المدبوغ على ما بنى عليه ثم ذكر الشيخ حفظه الله تصحيح القول بمنع الأكل من عند نفسه بإيراد حجته

وقد نص الشافعي رحمه الله في القديم وفي رواية حرملة على ما هداه إليه خاطره المتين قال الزعفراني قال أبو عبد الله الشافعي في كلام ذكره يحل أن يتوضأ في جلدها إذا دبغ وذلك الذي أباح رسول الله فأبحناه كما أباحه ونهينا عن أكله بحمله أنه من ميتة ولم يرخص في غير ما رخص فيه خاصة

ثم قال وليس ما حل لنا الاستمتاع ببعضه بخبر بالذي يبيح لنا ما نهينا عنه من ذلك الشيء بعينه بخبر ألا ترى أنا لا نعلم اختلافا في أنه يحل شراء الحمر والهر والاستمتاع بها ولا يبيح أكلها وإنما نبيح ما يبيح ونحظر ما حظر

وقال في رواية حرملة يحل الاستمتاع به بالحديث ولا يحل أكله بأصل أنه من ميتة

ورأيته أدام الله عصمته اختار في تحلية الدابة بالفضة جوازها وأظنه علم كلام الشافعي رحمه الله في كتاب مختصر البويطي والربيع ورواية موسى بن أبي الجارود حيث يقول وإن اتخذ رجل أو أمرأة آنية من فضة أو من ذهب أو ضببا بهما آنية أو ركباه على مشجب أو سرج فعليهما الزكاة وكذلك اللجم والركب

هذا مع قوله في روايتهم لا زكاة في الحلي المباج وحيث لم يخص به الذهب بعينه فالظاهر أنه أراد به كليهما جميعا وإن كانت الكناية بالتذكير يحتمل أن تكون راجعة إلى الذهب دون الفضة كما قال الله عز وجل ‏{‏وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ فالظاهر عند أكثر أهل العلم أنه أراد به كليهما معا وإن كانت الكناية بالتأنيث يحتمل أن تكون راجعة إلى الفضة دون الذهب

وقد علم الشيخ أبقاه الله ورود التحريم في الأواني المتخذة من الذهب والفضة عامة ثم ورود الإباحة في تحلية النساء بهما وتختم الرجال بالفضة خاصة ووقف على اختلاف الصدر الأول رضي الله عنهم في حلية السيوف واحتجاج كل فريق منهم لقوله بخبر فنحن وإن رجحنا قول من قال بإباحتها بنوع من وجوه الترجيحات ثم حظرنا تحلية السيف والسرير وسائر الآلات ولوم نقسها على التختم بالفضة ولا على حلية السيوف فتصحيح إباحة تحلية الدابة بالفضة من غير ورود أثر صحيح مما يشق ويتعذر وهو أدام الله توفيقه أهل أن يجتهد ويتخير

وما استدل به من الخبر بأن أبا سفيان أهدى إلى رسول الله برته من فضة فغير مشتهر وهو إن كان فلا دلالة له في فعل أبي سفيان إذ لم يثبت عن النبي تركه ثم ركبه أو أركبه غيره

وإنما الحديث المشهور عندنا ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أهدى رسول الله هدية جملا لأبي جهل في أنفه برة فضة ليغيظ المشركين

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق ‏.‏ ‏.‏ الحديث

وكان علي بن المديني يقول كنت أرى هذا من صحيح حديث ابن إسحاق فإذا هو قد دلسه حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس

فإذا الحديث مضطرب

أخبرنا بهذه الحكاية محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن صالح الهاشمي حدثنا أبو جعفر السبيعي حدثنا عبد الله بن علي المديني قال حدثني أبي فذكرها

وقد روي الحديث عن جرير بن حازم عن ابن أبي نجيح ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وليس بالقوي

وقد أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل أخبرنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أحمد ابن محمد البرتي القاضي حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله جملا لأبي جهل يوم الحديبية كان استلبه يوم بدر وفي أنفه برة من ذهب

وكذلك رواه أبو داود السجستاني في كتاب السنن عن محمد بن المنهال برة من ذهب

أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود فذكره وقال عام الحديبية ولم يذكر قصة بدر

وقد أجمعنا على منع تحلية الدابة بالذهب ولم ندع فيها ظاهر الكتاب بإيجاب الزكاة فيه وعدة إذا لم يخرجها من الكنوز بهذا الخبر وكذلك لا ندعه في الفضة وليس في الخبر إن ثبت في الفضة صريح دلالة في المسألة وبالله التوفيق والعصمة

وقد حكي لي عن الشيخ أدام الله عزه أنه اختار جواز المكتوبة على الراحلة الواقفة إذا تمكن من الإتيان بشرائطها مع ما في النزول للمكتوبة في غير شدة الخوف من الأخبار والآثار الثابتة وعدم ثبوت ما روي في مقابلتها دون الشرائط التي اعتبرها وقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الإملاء ولا يصلي المسافر المكتوبة بحال أبدا إلا حالا واحدا إلا نازلا في الأرض أو على ما هو ثابت على الأرض لا يزول بنفسه مثل البساط والسرير والسفينة في البحر ولا يصلي

ومن الفوائد والغرائب والمسائل عنه

قال الشيخ أبو محمد في كتابه في موقف الإمام والمأموم إن الواحد من أهل العلم إذا سأل الناس مالا واستجداهم وقال أنا أطلب ذلك لبناء مدرسة لم يكن له أن يصرفه في غير ذلك ولا أن يجعلها مسجدا ولا أن يجعلها ملكا له قال بل الواجب الصرف في تلك الجهة وإن جعلها مسجدا لم تصر مسجدا وصارت بنفس الشراء مدرسة لما تقدم من النيات المتقدمة والتقييد السابق

قال وإنما ذكرنا هذا الجواب عن أصل منصوص للشافعي في بعض كتبه إلى أن قال وهذه طريقة ابن سريج

انتهى ملخصا

والحكم بصيرورتها مدرسة من غير أن يتلفظ بإيقافها كذلك اعتمادا على النيات السابقة غريب

وأما تعين صرف المال في تلك الجهة فهو مسألة أبي زيد فيمن أعطى درهما وقيل له اغسل ثوبك به

قال النووي في شرح المهذب ما نصه فرع قال أصحابنا المرة نجسة قال الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق في مسائل المياه المرارة بما فيها من المرة نجسة

انتهى كلام النووي

قتل ا لمرة هي ما في باطن المرارة ونجاستها هو ما ذكره في زيادة الروضة وأما المرارة ففي الحكم بنجاستها إشكال ووقفت على عبارة الشيخ أبي محمد في الفروق فلم أجدها صريحة في ذلك فإنه قال بعد ما فرق بين المترشح وغيره وأما اللبن في الباطن فليس يحصل على جهة الترشح ولكن له في الباطن مجتمع معلوم ومستقر يستقر فيه وما كان من هذا الجنس في الباطن فهو محكوم بنجاسته كالمرارة بما فيها والمثانة والمعدة إلا ما استثناه نص الشريعة فخالفنا فيه بواطن القياس وهو لبن ما يؤكل لحمه

انتهى

وما أراه أراد إلا ما في باطن المرارة من المرة وما في باطن المثانة والمعدة

وقوله المرارة بما فيها حينئذ محمول على ما فيها دونها وكذلك المثانة والمعدة لكن رأيت في البحر للروياني التصريح بأن المعدة نفسها نجسة ذكره أثناء فرع من أوائل باب الحدث وهو أيضا غريب

قال النووي في شرح المهذب ما نصه ومن خطه نقلته فرع قال الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق توضأ فغسل الأعضاء مرة مرة ثم عاد فغسلها مرة مرة ثم عاد فغسلها كذلك ثالثة لم يجز

قال ولو فعل مثل ذلك في المضمضة والاستنشاق جاز

قال والفرق أن الوجه واليد متباعدان ينفصل حكم أحدهما عن الآخر فينبغي أن يفرغ من أحدهما ثم ينتقل إلى الآخر وأما الفم والأنف فكعضو فجاز تطهيرهما معا كاليدين

انتهى

وكذا رأيته بخطه لم يجز وتطهيرهما وإنما هو فيما أحسب لم يجزىء يعني عن تأدية المغسلة الثانية والثالثة وإلا فعدم الجواز لا وجه له وإن دل عليه قوله في المضمضة والاستنشاق جاز غلا أن يراد بالجواز تأدية السنة أي لم تتأد السنة ومع ذلك فيه نظر قد يقال بل يتأدى به السنة

وأما قوله فجاز تطهيرهما فسبق قلم بلا شك ومراده نظيرهما

وقد رأيت لفظ الفروق وهو يشهد لما قلته وعبارته إذا توضأ فغسل وجهه مرة ويدية مرة ومسح برأسه مرة وغسل رجليه مرة ثم عاد فغسل وجهه ثانية ويديه ثانية إلى آخرها ثم فعل ذلك مرة ثالثة لم يجز ولو أنه تمضمض مرة ثم استنشق مرة ثم تمضمض ثانية ثم استنشق ثانية وكذلك الثالثة كان جائزا في أحد الوجهين والفرق بينهما أن الوجه مع اليدين عضوان متباعدان ينفصل حكم أحدهما عن الثاني والسنة أن يفرغ من سنة أحدهما ثم ينتقل إلى الثاني وأما الفم والأنف فهما في تقاربهما وتماثلهما في حكمهما كالعضو الواحد فجاز أن يوضئهما معا إلى آخر ما ذكره

والشيخ أبو محمد لا يرى تجديد الوضوء حتى يؤدي بالأول عبادة ما فكأن هذه الغسلة تكون تجديدا لأن الغسلة الرابعة الموصولة في حكم التجديد

441 عبد الله بن يوسف القاضي أبو محمد الجرجاني المحدث الفقيه

مصنف فضائل الشافعي وفضائل أحمد بن حنبل وطبقات الشافعية وغير ذلك

سمع من عمر بن مسرور وأبي الحسين الفارسي وأبي سعد الكنجروذي وأبي عثمان الحيري وحمزة السهمي وأحمد بن محمد الخندقي ومحمد بن علي بن محمد الطبري وكريمة بنت محمد المغازلي وأبي نعيم عبد الملك بن محمد الإستراباذي الصغير صاحب الإسماعيلي وعبد الملك بن محمد بن شاذان الجرجاني وأبي معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي وغيرهم

روى عنه وجيه الشحامي وعبد الغافر الفارسي والجنيد بن محمد القايني وهبة الرحمن القشيري وآخرون

ولد بجرجان سنة تسع وأربعمائة وتوفي في تاسع ذي القعدة سنة تسع وثمانين وأربعمائة

442 عبد الله بن أبي نصر بن أبي علي أبو بكر الطرازي

قال ابن السمعاني كان إماما مناظرا مبرزا يذب عن مذهب الشافعي وكان يملي الحديث ببخارى ويروي عن عمه وغيره

روى عنه أبو الوليد وصاعد بن عبد الرحمن القاضي

ثم قال توفي الطرازي بعد سنة تسعين وأربعمائة

443 عبد الباقي بن يوسف بن علي بن صالح بن عبد الملك بن هارون أبو تراب المراغي

نزيل بنيسابور

كان إماما فاضلا زاهدا حسن السيرة قوي النفس

تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب وبه تخرج واشتهر

قال ابن السمعاني ثم ورد بنيسابور وصار المفتي بها

سمع أبا علي بن شاذان وأبا القاسم بن بشران وغيرهما

روى عنه زاهر الشحامي وابنه عبد الخالق بن زاهر وآخرون

وكان ورعا تاركا للدنيا جاءه التقليد بقضاء همذان فأبى أن يقبله وقال أنا في انتظار النشور من الله تعالى على يدي عبده ملك الموت وقدومي على الآخرة أنا بهذا المنشور أليق من منشور القضاء

ثم قال قعودي في هذا المسجد ساعة أحب إلي من أن أكون ملك العراقين ومسألة من العلم يستفيدها مني طالب أحب الي من عمل الثقلين

توفي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

444 عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل بن عبد الله القاضي أبو الحسن الهمذاني الأسداباذي

وهو الذي تلقبه المعتزلة قاضي القضاة ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ولا يعنون به عند الإطلاق غيره

كان إمام أهل الاعتزال في زمانه وكان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع

وله التصانيف السائرة والذكر الشائع بين الأصوليين

عمر دهرا طويلا حتى ظهر له الأصحاب وبعد صيته ورحلت إليه الطلاب وولى قضاء الري وأعمالها

سمع الحديث من أبي الحسن بن سلمة القطان وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وعبد الله بن جعفر بن فارس والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي وغيرهم

روى عنه القاضي أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني المفسر المعتزلي وأبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي

توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة بالري ودفن في داره

ومن ظريف ما يحكى

أن الأستاذ أبا إسحاق نزل به ضيفا فقال سبحان من لا يريد المكروه من الفجار

فقال الأستاذ سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يختار

وهذا جواب حاضر وهو شبيه بما ذكر أن بعض الروافض قال لشخص من أهل السنة يستفهمه استفهام إنكار من أفضل من أربعة رسول الله يشير إلى علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي حين لف عليهم النبي

فقال له السني اثنان الله ثالثهما يشير إلى رسول الله بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقضية الغار وقوله ‏(‏ ما ظنك باثنين الله ثالثهما ‏)‏

445 عبد الجبار بن أحمد بن يوسف الرازي أبو القاسم الزاهد

وقد سماه شيخنا الذهبي عبد الجليل

تفقه على الخجندي بأصبهان ثم استوطن بغداد مدة ثم انتقل إلى بيت المقدس وسلك سبيل الورع والانقطاع إلى الله إلى أن استشهد على يد الفرنج خذلهم الله سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة في شعبان

446 عبد الجبار بن علي بن محمد بن حسكان الأستاذ أبو القاسم الإسفرايني الإسكاف

أستاذ إمام الحرمين في الكلام

قال فيه عبد الغافر شيخ جليل كبير من أفاضل العصر ورءوس الفقهاء والمتكلمين من أصحاب الأشعري إمام دويرة البيهقي له اللسان في النظر والتدريس والتقدم في الفتوى مع لزوم طريقة السلف من الزهد والفقر والورع

كان عديم النظير في وقته ما رئي مثله

قرأ عليه إمام الحرمين الأصول وتخرج بطريقته عاش عالما عاملا

وتوفي يوم الاثنين الثامن والعشرين من صفر سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة

قال ابن الصلاح رأيت في ترجمة إمام الحرمين بخط بعض المعلقين عنه سمعته يقول عن الأستاذ أبي إسحاق لو أن واحدا وطىء زوجته واعتقد أنها أجنبية فعليه الحد

قال ابن الصلاح وهذا يبادر الفقيه إلى إنكاره ولكن الحقائق الأصولية آخذة بضبعه فإن الأحكام ليست صفات للأعيان

قلت وهذا فيه نظر وقوله الأحكام ليست صفات للأعيان مسلم ولهذا قلنا بأن هذا الوطء حرام يعاقب عليه ولو كانت صفات للأعيان لم نحرمه وأما انتفاء الحد فإنما كان لأجل الشبهة فإن أقل أحوال كونها في نفس الأمر زوجته أن تكون شبهة ينفى الحد بمثلها والأصولي لا ينكر أن الشبهات تدرأ الحدود

فهذه مقالة ضعيفة لا يشهد لها فقه ولا أصول

447 عبد الجليل بن عبد الجبار بن عبد الله بن طلحة المروزي القاضي أبو المظفر

نزيل دمشق قدمها وقد كان تفقه على الكازروني

قال الحافظ ولي القضاء بدمشق سنة ثمان وستين وأربعمائة حين دخل الترك دمشق وكان توليه القضاء في الشهر الذي توفي فيه القاضي أبو الحسن أحمد بن علي بن محمد النصيبي وهو ذو القعدة سنة ثمان وستين

وكان عفيفا نزها مهيبا قيل إنه لم ير قط في سقاية ثم عزل عن القضاء بابن أبي حصينة المغربي

وحدث بدمشق عن القاضي أبي المظفر محمد بن أحمد التميمي وأبي علي الحسن ابن علي بن أحمد بن الحسين بآمد

وذكر غيرهما ثم قال وحدثنا عنه أبو محمد بن طاوس

توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة تسع وسبعين وأربعمائة

448 عبد الرحمن بن أحمد بن علك أبو طاهر الساوي

أحد الأئمة

ولد بأصبهان بعد الثلاثين وأربعمائة وحمل إلى سمرقند فتفقه بها وصحب عبد العزيز النخشبي وأخذ عنه علم الحديث

سمع أبا الربيع طاهر بن عبد الله الإيلاقي وأحمد بن منصور المغربي النيسابوري وأبا الحسين بن النقور وغيرهم

روى عنه إسماعيل بن السمرقندي ومحمد بن علي الإسفرايني نزيل مرو

توفي سنة أربع وثمانين وأربعمائة ببغداد وشيع نظام الملك جنازته ولم يتبع الجنازة راكب غيره واعتذر بعلو السن

449 عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز ابن حميد بن أبي عبد الله السرخسي النويزي الأستاذ أبو الفرج الزاز

صاحب التعليقة إمام أصحابنا بمرو وأحد الأجلاء من الأئمة وله الزهد والورع

رحلت إليه الطلبة من الأقطار وسار اسمه مسير الشمس في الإمصار

مولده سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وأربعمائة

وتفقه على القاضي الحسين وسمع أبا القاسم القشيري والحسن بن علي المطوعي وأبا المظفر محمد بن أحمد التميمي وآخرين

روى عنه أبو طاهر السنجي وعمر بن أبي مطيع وأحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوري وغيرهم

قال فيه ابن السمعاني أحد أئمة الإسلام ومن يضرب به المثل في الآفاق بحفظ مذهب الشافعي الإمام ومعرفته وتصنيفه الذي سماه الإملاء سار في الأقطار مسير الشمس ورحل إليه الأئمة والفقهاء من كل جانب وحصلوه واعتمدوا عليه ومن تأمله عرف أن الرجل كان ممن لا يشق غباره في العلم ولا يثنى عنانه في الفتوى ومع وفور فضله وغزارة علمه كان متدينا ورعا محتاطا في المأكول والملبوس

قال وسمعت زوجته وهي حرة بنت عبد الرحمن بن محمد بن علي السنجاني تقول إنه كان لا يأكل الأرز لأنه يحتاج إذا زرع إلى ماء كثير وصاحبه قل ألا يظلم غيره في سقي الماء

قال وسمعتها تقول سرق كل شيء في داري من ملبوسي حتى المرط الذي كنت أصلي عليه وكانت طاقية الإمام عبد الرحمن زوجي على حبل في صحن الدار لم تؤخذ فوجد السارق فقبض عليه بعد خمسة أشهر ورد علينا أكثر المسروق ولم يضع إلا القليل فاتفق أن الإمام عبد الرحمن سأل السارق لم لم تأخذ الطاقية فقال أيها الشيخ تلك الطاقية أخذتها تلك الليلة مرات فكل مرة إذا قربت منها كانت النار تشتعل منها حتى كادت أن تحرقني فتركتها على الحبل وخرجت

وذكر ابن السمعان أن شيخه أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل الخرجردي كان إذا حدثهم عن الشيخ أبي الفرج قال أخبرنا الإمام حبر الأمة وفقيهها أبو الفرج الزاز

قلت وأبو الفرج فيما أحسب نويزي بضم النون وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف في آخرها زاي وهي فيما أحسب من قرى سرخس وإليها ينسب غياث بن حمزة النويزي أحد الرواة عن يزيد بن هارون وقد فات شيخنا الذهبي ذكرها في المؤتلف والمختلف مع اشتباهها بالنويري بالراء والتويزي بمثناة وزاي

وأغرب من ذلك أن شيخنا الذهبي ذكر أبا الفرج هذا فيمن توفي بعد الخمسمائة وضبط النوبزي بضم النون وإسكان الواو بعدها نون مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة كذا رأيت بخطه فإن صح هذا فهي نسبة أخرى شبيهة بما ذكرناه

وأما دعواه أن الزاز توفي بعد الخمسمائة فليس كذلك وإنما توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وأربعمائة وقد ذكر الذهبي وفاته في موضع آخر على الصواب فيما أحسب

450 عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الفقيه الرئيس أبو محمد الشيرنخشيري

وشيرنخشير بكسر الشين المعجمة بعدها آخر الحروف ساكنة ثم راء ثم نون مفتوحتين ثم خاء معجمة ساكنة ثم شين معجمة مكسورة ثم آخر الحروف ساكنة ثم راء من قرى مرو

كان فقيها محدثا

قال أبو بكر بن السمعاني انتهت إليه رياسة أصحاب الحديث بمرو في عصره وأخذ الفقه عن الشيخ أبي زيد الفاشاني والحديث عن أبي العباس النضري بالنون وبالضاد المعجمة وأبي محمد بن حليم باللام وسمع منهما ومن محمد ابن المظفر الحافظ وأملى بمرو وهراة

روى عنه عبد الواحد المليحي وابنه أبو عطاء وعطاء القراب

وقرىء عليه الحديث ببغداد بحضرة ابن المظفر والدارقطني

كان له مجلس إملاء في داره بمرو

قلت قوله أصحاب الحديث يعني الشافعية وهذا اصطلاح المتقدمين لا سيما أهل خراسان إذا أطلقوا أصحاب الحديث يعنون الشافعية

توفي هذا الشيخ سنة عشرين وأربعمائة

451 عبد الرحمن بن الحسين الغندجاني أبو أحمد

قال الشيخ أبو إسحاق علقت عنه بشيراز والغندجان وكان من أصحاب أبي حامد الإسفرايني

452 عبد الرحمن بن عبد الله بن علي بن محمد بن سحنويه أبو بكر بن أبي محمد بن حمشاد

توفي يوم الجمعة خامس شهر رمضان المعظم سنة أربعمائة

453 عبد الرحمن بن عبد الكريم بن هوازن أبو منصور القشيري

أحد أولاد الأستاذ أبي القاسم من السيدة الطاهرة فاطمة بنت الأستاذ أبي علي الدقاق

كان أبو منصور هذا جميل السيرة ورعا عفيفا فاضلا محتاطا لنفسه في مطعمه ومشربه وملبسه مستوعب العمر بالعبادة مستغرق الأوقات بالخلوة

سمع الكثير من والده ومن أبي حفص عمر بن أحمد بن مسرور وأبي سعيد زاهر بن محمد بن عبد الله النوقاني وأبي عبد الله محمد بن باكوية الشيرازي ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي وغيرهم

وورد بغداد مع والده وسمع بها من القاضي أبي الطيب والماوردي وأبي بكر محمد بن عبد الملك بن بشران

وسمع بمرو وبسرخس والري وهمذان

ثم ورد بغداد حاجا في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وحدث بها

روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي وغيره ثم عاد إلى نيسابور وأقام بها إلى أن توفيت والدته السيدة الخيرة الصالحة فاطمة بنت السيد وزوجة السيد وأم السادات رضي الله عنهم أجمعين وكانت وفاتها في ذي القعدة سنة ثمانين فعاد إلى بغداد طالبا للحج ومضى إلى مكة وجاور بها وبها مات

مولده في صفر سنة عشرين وأربعمائة ووفاته في شعبان لسنة اثنتين وثمانين وأربعمائة

454 عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم الشيخ الإمام أبو سعد بن أبي سعيد المتولي

صاحب التتمة أحد الأئمة الرفعاء من أصحابنا

مولده سنة ست أو سبع وعشرين وأربعمائة

أخذ الفقهاء عن ثلاثة من الأئمة بثلاثة من البلاد عن القاضي الحسين بمرو الروذ وعن أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ببخارى وعن الفوراني بمرو

وبرع في المذهب وبعد صيته

وله كتاب التتمة على إبانة شيخه الفوراني وصل فيها إلى الحدود ومات

وله مختصر في الفرائض وكتاب في الخلاف ومصنف في أصول الدين على طريق الأشعري

وسمع الحديث من الأستاذ أبي القاسم القشيري وأبي عثمان الصابوني وأبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي وغيرهم

وحدث بشيء يسير

وروى عنه جماعة ودرس بالنظامية بعد الشيخ أبي إسحاق ثم عزل بابن الصباغ ثم أعيد واستمر إلى حين وفاته

توفي ليلة الجمعة الثامن عشر من شوال سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

ومن الفوائد عن أبي سعد رحمه الله

لو جنى على ثديها فانقطع لبنها فعليه الحكومة وكذا لو لم يكن لها ولد عند الجناية وولدت بعد ذلك فلم يدر لها لبن إذا قال أهل البصر إن الانقطاع بسب الجناية أو جوزوا أن يكون بسببها قال الرافعي عن الإمام احتمال أنه تجب الدية بإبطال منفعة الإرضاع

يعني كما تجب بإبطال الإمناء

قلت هذا الاحتمال هو المجزوم به في التتمة في الكلام على الثديين

وذكر الرافعي في باب الوليمة قول القفال إن الضيف لا يملك ما يأكله بل هو إتلاف بإباحة المالك وقول أكثرهم إنه يملك ثم اختلافهم في أنه هل يملك بالوضع أو بالأخذ أو بالازدراد يتبين أنه ملك قبله ثم قال وزيف المتولي ما سوى الوجه الأخير وذلك يقتضى ترجيحه

ومن اقتصر على كلام الرافعي هذا تخيل أن المتولي زيف قول القفال وكذلك فهم الوالد في باب القرض من شرح المهذب عن الرافعي

وأنا أقول إنما أراد الرافعي أن صاحب التتمة زيف ما عدا الوجه الأخير من وجود الملك أما قول القفال فلم يضعفه فإني كشفت التتمة فلم أجده ضعفه بل سياق كلامه يقتضى تقويته ثم صرح في كتاب الأيمان أنه الصحيح وتبعه الرافعي أيضا في كتاب الأيمان على ذلك في مسألة الحالف ألا يهب

قول الأصحاب إن الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا طهرت قيده صاحب التتمة بما إذا لم يقع فيها نجاسة أخرى فإن وقعت في الخمر نجاسة من عظم ميتة ونحوه فأخرجت منها ثم انقلبت الخمر خلا لم تطهر بلا خلاف

ونقله النووي في كتاب المنثورات وعيون المسائل والفتاوي المهمات عن المتولي ساكتا عليه وقال إنه ذكره في باب الاستطابة

ونظيره إذا ولغ الكلب في إناء متنجس بالبول فلا يطهر وإن زالت نجاسة البول حتى يعفر لأجل الولوغ

وكذلك إذا استنجى بروث فيتعين استعمال الماء

ولو دبغ الجلد بالنجاسة حصل الدباغ على الأصح ثم يجب غسله بعد ذلك لا محالة بخلاف المدبوغ بالشيء الطاهر فإن في وجوب غسله خلافا

455 عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن حبيب بن الليث بن شبيب أبو زيد القاضي

قال فيه عبد الغافر الإمام أحد أئمة أصحاب الشافعي ومدرسيهم

حدث عن الأصم وأبي بكر الصبغي وأبي الوليد القرشي وذكر غيرهم ثم قال روى عنه زين الإسلام يعني القشيري وذكر غيره

قال وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

456 عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران الفوراني

بضم الفاء

الإمام الكبير أبو القاسم المروزي

صاحب الإبانة والعمد وغيرهما من التصانيف

من أهل مرو

كان إماما حافظا للمذهب من كبار تلامذة أبي بكر القفال وأبي بكر المسعودي

سمع الحديث من علي بن عبد الله الطيسفوني وأستاذه أبي بكر القفال

روى عنه البغوي صاحب التهذيب وعبد المنعم بن أبي القاسم القشيري وزاهر ابن طاهر وعبد الرحمن بن عمر المروزي وأبو سعد بن أبي صالح المؤذن وغيرهم

وكان شيخ أهل مرو وعنه أخذ الفقه صاحب التتمة وغيره

وكان كثير النقل والناس يعجبون من كثرة حط إمام الحرمين عليه وقوله في مواضع من النهاية إن الرجل غير موثوق بنقله

والذي أقطع به أن الإمام لم يرد تضعيفه في النقل من قبل كذب معاذ الله وإنما الإمام كان رجلا محققا مدققا يغلب بعقله على نقله وكان الفوراني رجلا نقالا فكان الإمام يشير إلى استضعاف تفقهه فعنده أنه ربما أتي من سوء الفهم في بعض المسائل هذا أقصى ما لعل الإمام يقوله

وبالجملة ما الكلام في الفوراني بمقبول وإنما هو علم من أعلام هذا المذهب وقد حمل عنه العلم جبال راسيات وأئمة ثقات وقد كان من التفقه أيضا بحيث ذكر في خطبة الإبانة أنه يبين الأصح من الأقوال والوجوه وهو من أقدم المنتدبين لهذا الأمر

توفي بمرو في شهر رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة

ومن المسائل والفوائد والغرائب عن الفوراني

قال في العمد ما نصه إطالة القراءة في الوقت تستحب وإلى أن خرج الوقت وجهان أحدهما لا والثاني ما لم يضق عليه وقت صلاة أخرى

انتهى

وهو كالصريح في أن الوجهين في الاستحباب وهو عجيب

وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا خرج الوقت ما حكمه وجهان أحدهما لا يجوز والثاني يجوز ما لم يضق عليه وقت صلاة أخرى ويحتمل أن يريد أنه على القول بالجواز يستمر حكم الإطالة من الاستحباب لا أنه مستحب بخصوصه فإن ذلك باطل قطعا لعدم الدليل عليه

في إبانة الفوراني ما نصه لو كان المبيع مضبوط الأوصاف بخبر التواتر فعلى وجهين أحدهما هو كالمرئي والثاني كالغائب وفيه قولان

قلت الوجه الأول غريب جدا

لو اقتدى بحنفي في الصبح فلم يقنت هل على المأموم سجود للسهو قال القاضي الحسين في التعليقة سألني الشيخ أبو القاسم الفوراني عن هذه المسألة فقلت له لا يسجد للسهو والذي يقع لي الآن أنه يلزمه السجود

قلت وهما وجهان مبنيان على أن الاعتبار باعتقاد الإمام أو المأموم

شرح حالة الإبانة

قدمنا في ترجمة المسعودي كلام صاحب العدة في الاختلاف في غزو الإبانة إلى الفوراني ثم كلام ابن الصلاح وتنبيهه على أن جميع ما يوجد في كتاب البيان منسوبا إلى المسعودي فهو إلى الفوراني وذكرنا أن ذلك لا يستمر على العموم وبينا نقضه بصور ونزيد الآن أن الذي يقع في النفس وبه يستقيم كلام ابن الصلاح أن بعض ما هو منسوب في البيان إلى المسعودي فالمراد به الفوراني وذلك أن صاحب البيان وقع له كتاب المسعودي حقيقة ووقعت له الإبانة منسوبة إلى المسعودي فصار ينسب إلى المسعودي تارة من الإبانة وتارة من كتابه فليس كل ما ذكر المسعودي يكون هو الفوراني فاعلم ذلك علم اليقين

فرع من باب الشهادة على الشهادة

إذا لم يعرف الفرع المشهود عليه تحمل على الاسم والنسب فإن لم يعرفه بعد ذلك أدى على العين وإن حضر شخص ادعى أنه المشهود له قال القاضي الحسين والفوراني فعليه أن يؤدي الشهادة على الاسم والنسب ثم ينظر فإن أقر الخصم فذاك وإن تناكرا فعلى المدعي إقامة البينة على اسمه ونسبه فإن قامت بينة بذاك حكم له

قال ابن الرفعة وفي فتاوي القاضي حسين أنه لو أقر رجل فقال لفلان ابن فلان علي كذا فجاء رجل وقال أنا فلان بن فلان الذي أقر لي بالحق عندكما فاشهدا لي فليس لهما أن يشهدا حتى يعرفا أنه هو المقر له فلو أقام الرجل بينة عند القاضي أنه فلان بن فلان حينئذ يشهدان له به

قال ابن الرفعة وهذا مناقض لما تقدم فليكن في المسألة جوابان

قلت هذا كلام ابن الرفعة وكأنه فهم أن الفوراني والقاضي أولا يقولان لا تتوقف تأديتهما الشهادة على تحققهما أن هذا المدعي فلان بن فلان المقر له لأنهما لا يشهدان بنسبه وإنما يشهدان بالحق لهذا الاسم فيؤديان الشهادة هكذا وفي هذا إشكال لأن تأدية الشهادة لا تقع في وجه مدع عرف أنه المقر له فلا يكونان قد أديا للمدعي وإنما أديا لمسمى بهذا الاسم الذي يحتمل ألا يكون هو هذا المدعي فمن ثم يقول القاضي لا يؤديان حتى يعرفا أنه فلان بن فلان وجعل من طريق معرفتهما قيام البينة عند الحاكم بذلك فحينئذ يشهدان

فمعنى الجوابين هكذا أحدهما أن التأدية تسبق ثبوت كونه فلان بن فلان لأنهما لا تقع على شخصه للمسمى بهذا الاسم فلم يضر كونها سابقة

والثاني أن كونها سابقة يوجب كونها لم تقع ضمن دعوى من يتحققان أنه المشهود له فيضر ولا يؤديان حتى يعرفانه ويبقى النظر بعد ذلك في أنهما إذا قامت البينة بأنه فلان بن فلان هل يشهدان أنه المقر له أو إنما يشهدان أنه أقر لفلان بن فلان ولا يذكران أنه هذا لأن قيام البينة بأنه هو لا يوجب لهما العلم بأنه هو هذا محل نظر

ظاهر كلام القاضي يدل للأول وقد يخرج ذلك على طريقة من يكتفي بالتسامح في ثبوت النسب من عدلين كما هي طريقة الشيخ أبا حامد لا سيما وقد تأكد ذلك بقيام البينة عند الحاكم والأظهر عندي أن يحمل كلامه على الثاني ويقال إنما أراد أنهما يشهدان للمسمى بهذا الاسم ويكون الضمير في قول القاضي له عائدا على فلان بن فلان لا على هذا الشخص لأنهما لا يعرفانه بهذا النسب فكيف يشهدان لشخصه والمسألة ليس مسوقة للشهادة بالنسب بل للشهادة بالمال ومصورة بما إذا قال فلان بن فلان بن فلان فإنه لا بد من اسم الأب والجد ولذلك تلفظ بهما القاضي في الفتاوي وحذف ابن الرفعة اسم الجد اختصارا لأنه معروف في مكانه

وقد رأيت المسألة في فتاوي القاضي وقد قال جامعها البغوي عقبها قلت عندي لا يجوز لهما أن يشهدا بالمال بشهادة الشهود أنه فلان بن فلان حتى يعلماه يقينا ولا يتيقن بقول الشهود فإن عرفا يقينا أنه المقر له ووقع الاختلاف في النسب حينئذ يثبت النسب بقول الشهود

انتهى

وابن الرفعة حذف كلام البغوي هذا فلم يذكره بالكلية وهو من البغوي دليل على أنه فهم أن المسألة في أنهما يشهدان بالمال لشخصه بعد قيام البينة بأنه هو فلان ابن فلان فالعجب من ابن الرفعة في حذفه كلام البغوي وهو ذكر المسألة في الكفاية وفي المطلب وكأنه في المطلب تلقاها من كلامه في الكفاية ولم يعاود فتاوي القاضي

457 عبد الرحمن بن محمد بن ثابت أبو القاسم الثابتي الخرقي

وخرق بفتح الخاء المعجمة والراء وفي آخرها القاف قرية على ثلاثة فراسخ من مرو بها جامع كبير حسن

كان فقيها ورعا زاهدا يعرف بمفتي الحرمين من قرية خرق بمرو

تفقه على الفوراني بمرو ثم على القاضي الحسين بمروالروذ ثم على أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ببخارى ثم بعد ذلك صحب أبا إسحاق الشيرازي ببغداد وحج ورجع إلى قريته منقطعا على العلم والعبادة

وقد سمع الحديث من أبي عثمان الصابوني وناصر العمري والأستاذ أبي القاسم القشيري وغيرهم

توفي في ربيع الأول سنة خمس وتسعين وأربعمائة

458 عبد الرحمن بن محمد بن الحسن أبو محمد الفارسي المعروف بالدوغي

أحد الفقهاء المدرسين من أصحاب أبي محمد الجويني

مات سنة تسع وخمسين وأربعمائة

459 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن علي الواعظ أبو سعيد العارض

قال عبد الغافر معروف من أهل العلم ثقة عفيف حسن الوعظ مرضي السيرة

سمع بنيسابور والعراق والحجاز وكف في آخر عمره

وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة

وتوفي في شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

460 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدان أبو القاسم القرشي النيسابوري السراج

روى عن أبي العباس الأصم وأبي منصور محمد بن القاسم الصبغي وأحمد ابن محمد بن عبدوس الطرائفي وجماعة

روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو صالح المؤذن وفاطمة بنت الدقاق وجماعة

وكان إماما جليلا

تفقه على الأستاذ أبي الوليد

ومات في صفر سنة ثمان عشرة وأربعمائة

461 عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سوره بفتح السين المهملة وإسكان الواو وبعدها راء ثم هاء ابن سعيد النيسابوري من أهلها أبو سعد

قال فيه عبد الغافر الفقيه المتكلم الأشعري المعروف بابن أبي سوره أحد العلماء الثقات الأثبات

قال وكتب في صباه اسمه أحمد وفي حال الكبر عبد الرحمن وكلاهما موجود بخطه

انتهى

وذكر الخطيب أنه قدم بغداد وحدث بها عن ابن نجيد وأبي طاهر حفيد ابن خزيمة وتوفي

462 عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ ابن سهل بن الحكم بن شيرزاذ أبو الحسن الداوودي البوسنجي

الذي روى عنه أبو الوقت صحيح البخاري

من أهل بوسنج بباء موحدة مضمومة ثم واو ساكنة ثم سين مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم جيم بلدة بنواحي هراة

ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة

تفقه على أبي بكر القفال وأبي الطيب الصعلوكي وأبي طاهر الزيادي وأبي حامد الإسفرايني وأبي الحسن الطبسي

وما أظن شافعيا اجتمع له مثل هؤلاء الشيوخ

وسمع عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي وهو آخر الرواة عنه وأبا محمد ابن أبي شريح وأبا عبد الله الحاكم وأبا طاهر الزيادي وأبا عمر بن مهدي وعلي بن عمر التمار وغيرهم ببوشنج وهراة ونيسابور وبغداد

روى عنه أبو الوقت ومسافر بن محمد وعائشة بنت عبد الله البوشنجية وأبو المحاسن أسعد بن زياد الماليني وغيرهم

وكان فقيها إماما صالحا زاهدا ورعا شاعرا أديبا صوفيا

صحب الأستاذ أبا عبد الرحمن السلمي وأبا علي الدقاق وغيرهما

قيل أنه كان يحمل ما يأكله وقت تفقهه ببغداد وغيرها من البلاد من بلده بوشنج احتياطا

وقد سمع مشايخ عدة وكان يصنف ويفتي ويعظ ويكتب الرسائل الحسنة

ويحكى أنه كان لا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وجل وأن مزينا جاء ليقص شاربه فقال له أيها الإمام يجب أن تسكن شفتيك فقال قل للزمان حتى يسكن

ودخل إليه نظام الملك وتواضع معه غاية التواضع فلم يزده على أن قال أيها الرجل إن الله سلطك على عبيده فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم

وذكره الحافظ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني فقال شيخ عصره وأوحد دهره والإمام المقدم في الفقه والأدب والتفسير وكان زاهدا ورعا حسن السمت بقية المشايخ بخراسان وأعلاهم إسنادا

أخذ عنه فقهاء بوشنج

ولد في شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة

وتوفي ببوشنج في شوال سنة سبع وستين وأربعمائة ابن ثلاث وتسعين سنة

وكان سماعه للصحيح في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ست سنين

هذا كلام الجرجاني

وروي أن أبا الحسن عبد الغافر الفارسي كان قد سمع الصحيح من أبي سهل الحفصي وله إجازة من الداودي فكان يقول الإجازة من الداودي أحب إلي من السماع من الحفصي

ومن شعره ما أنشده للشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله تعالى

سلام أيها الشيخ الإمام ** عليك وقل من مثلي السلام

سلام مثل رائحة الخزامى ** إذا ما صابها سحرا غمام

سلام مثل رائحة الغوالي ** إذا ما فض من مسك ختام

رحلت إليك من بوشنج أرجو ** بك العز الذي لا يستضام

ومنه

كان في الاجتماع من قبل نور ** فمضى النور وادلهم الظلام

فسد الناس والزمان جميعا ** فعلى الناس والزمان السلام

ومنه

إن شئت عيشا طيبا ** صفوا بلا منازع

فاقنع بما أوتيته ** فالعيش عيش القانع

463 عبد السلام بن إسحاق بن المهتدي الحامدي الآفراني

بمد الألف وضم الفاء والراء في آخرها نون نسبة إلى قرية بنسف يقال لها آفران

يكنى أبا تمام

كان أديبا شاعرا فقيها

سمع أبا الحسن المحمودي والشيخ أبا زيد الفقيه المروزي وغيرهما

مات في شوال سنة أربعمائة

464 عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار أبو يوسف القزويني

المعتزلي المفسر

وقيل إنه كان زيدي المذهب في الفروع

مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة بقزوين

أخذ عن القاضي عبد الجبار المعتزلي وجالس القاضي أبا القاسم بن كج وسمع منهما الحديث ومن غيرهما

وحدث عنه جماعات

وله تفسير كبير قيل إنه في سبعمائة مجلد كبار

وكان قد اجتمع له من الكتب شيء كثير فإنه سكن بغداد ثم سافر إلى الشام ثم إلى مصر وأقام بها مدة ثم عاد إلى بغداد وهو يحصل في ذلك الكتب وقيل إنه حصل غالبها من مصر في عام الغلاء المفرط وكان يقول ملكت ستين تفسيرا منها تفسيرا ابن جرير الطبري في أربعين مجلدا وتفسير أبي القاسم البلخي وأبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأبي مسلم بن بحر وغيرهم

وأهدى إلى نظام الملك أربعة أشياء لم يكن لأحد مثلها غريب الحديث لإبراهيم الحربي بخط أبي عمر بن حيوية في عشر مجلدات فوقفه نظام الملك بدار الكتب ببغداد

ومنها شعر الكميت بن زيد بخط أبي منصور في ثلاثة عشر مجلدا

ومنها عهد القاضي عبد الجبار بخط الصاحب بن عباد وإنشائه قيل كان سبعمائة سطر كل سطر في ورقة سمرقندي وله غلاف آبنوس يطبق كالأسطوانة الغليظة

والرابع مصحف بخط بعض الكتاب المجودين بالخط الواضح وقد كتب كاتبه اختلاف القراء بين سطوره بالحمرة وتفسير غريبه بالخضرة وإعرابه بالزرقة وكتب بالذهب العلامات على الآيات التي تصلح للانتزاعات في العهود والمكاتبات وآيات الوعد والوعيد وما يكتب في التعازي والتهاني

وبالجملة كتابه مصحف على هذا الوجه بدعة مكروهة

وقيل دخل إلى بغداد من مصر ومما معه عشرة جمال عليها كتب بالخطوط المنسوبة في فنون العلم

وكانت عنده قوة نفس وربما نال من بعض أهل العلم بلسانه وكان يفتخر بالاعتزال ويتظاهر به حتى على باب نظام الملك فيقول لمن يستأذن عليه قل أبو يوسف القزويني المعتزلي

توفي ببغداد في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

465 عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر أبو نصر بن الصباغ

صاحب الشامل والكامل وعدة العالم والطريق السالم وكفاية السائل والفتاوي

كان إماما مقدما وفارسا لا يدرك السوق وراءه قدما وحبرا يتعالى قدره على السما وبحرا لا ينزف بكثرة الدلا تصبب فقها فكأنه لم يطعم سواه ولم يكن غيره بلغة وتشخص فقها فإذا رآه المحقق قال ابن الصباغ صبغ من الصفر كذا ومن أحسن من الله صبغة انتهت إليه رياسة الأصحاب

وكان ورعا نزها تقيا نقيا صالحا زاهدا فقيها أصوليا محققا

سمع الحديث من أبي علي بن شاذان ومن أبي الحسين بن الفضل سمع منه جزء ابن عرفة وحدث به ببغداد وأصبهان

روى عنه الخطيب في التاريخ وهو أكبر منه سنا وأبو بكر محمد ابن عبد الباقي الأنصاري وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وابنه أبو القاسم علي بن عبد السيد وآخرون

ولد الشيخ أبو نصر سنة أربعمائة وتفقه على القاضي أبي الطيب

قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي لم أدرك فيمن رأيت وحاضرت من العلماء على اختلاف مذاهبهم من كملت له شرائط الاجتهاد المطلق إلا ثلاثة أبا يعلى بن الفراء وأبا الفضل الهمذاني الفرضي وأبا نصر بن الصباغ

وقال غيره كان ابن الصباغ يضاهي أبا إسحاق الشيرازي وإليهما كانت الرحلة في المتفق والمختلف

قلت مضاهاته له في المتفق ظاهرة وأما المختلف فما كان أحد يضاهي أبا إسحاق في عصره فيه والمراد بالمتفق مسائل المذهب وبالمختلف الخلافيات بين الإمامين

وقال بعضهم كان ابن الصباغ يحاسب نفسه فمن ذلك أنه قال اعتبرت نفسي في مجيئها من باب المراتب إلى النظامية من غير كلفة ومشقة واعتبرتها في طواف الكعبة سبعا وكلفتها ومشقتها فعلمت أن الطواف حق لسيدي على نفسي وأن سعيي من باب المراتب إلى المدرسة لحظ نفسي فمن ثم زالت عني فيه الكلفة والمشقة

قلت باب المراتب مكان ببغداد فيه دار ابن الصباغ وكان ابن الصباغ أول من درس بنظامية بغداد فإن نظام الملك وإن كان إنما بناها لأجل الشيخ أبي إسحاق الشيرازي إلا أن أبا إسحاق امتنع أولا أن يدرس فيها ولما جلس للناس أول يوم للتدريس أرسل إلى الشيخ أبي إسحاق وكرر سؤاله فلم يحضر فأذن للشيخ أبي نصر فدرس يويمات يسيرة ثم وقع التكرار في سؤال الشيخ أبي إسحاق فأجاب ودرس بها بقية حياته فلما توفي أبو إسحاق وليها صاحب التتمة أبو سعد المتولي ثم عزل وأعيد ابن الصباغ ثم صرف ابن الصباغ في سنة سبع وسبعين فحمله أهله على طلبها فخرج إلى أصبهان إلى نظام الملك فلم يجب سؤاله بل أمر أن يبنى له غيرها وعاد من أصبهان فمات بعد ثلاثة أيام

توفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة ودفن بداره ثم نقل إلى باب حرب وكان قد كف بصره قبل وفاته بسنين

ومن الرواية عنه

أخبرنا صالح بن مختار الأشنوي بمصر والعز أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر بالشام سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم ابن نعمة المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا في الثالثة أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي سماعا أخبرنا جدي الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الصفار التيمي الأصبهاني قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد ابن الصباغ أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الإيادي عن محمد بن جحادة عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما عن النبي ‏(‏ إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح أمرهم بالكذب فكذبوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالظلم فظلموا

قال فقال رجل فقال يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك

قال فأي الجهاد أفضل قال يهراق دمك ويعقر جوادك

قال فأي الهجرة أفضل قال تهجر ما كره ربك ‏)‏

وأخبرنا أبو نعيم أحمد ويدعى بكارا ابن الحافظ أبي القاسم عبيد بن محمد وتاج الدين عبد الغفار بن محمد السعدي والقطب إبراهيم بن المجاهد إسحاق ابن صاحب الموصل لؤلؤ وعبد المحسن بن أحمد الصابوني ومحمد بن عبد الغني بن محمد الضبعي وعمه أحمد ابن محمد ومحمد بن عبد الوهاب بن مرتضى البهنسي وأحمد بن علي بن محمد بن حسام الكلوتاتي والشرف يعقوب بن عوص المؤذن والمحدث بدر الدين محمد بن أحمد ابن خالد الفارقي قراءة عليهم وأنا أسمع بالقاهرة قالوا كلهم أخبرنا النجيب الحراني سماعا أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أخبرنا علي بن أحمد بن بيان أخبرنا محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزار أخبرنا ابن عرفة فذكره

وأخبرناه أيضا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتي عليه غير مرة وبقراءة الشيخ الإمام عليه أيضا وأنا أسمع قال أخبرنا ابن عبد الدائم حضورا في الأولى قال أخبرنا ابن كليب فذكره

ومن الفوائد والمسائل عن أبي نصر رحمه الله

قال ابن العربي في القبس في حديث إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم وقعت ببغداد نازلة وهي أن رجلا قال ببغداد وهو صائم امرأتي طالق إن أفطرت على حار أو بارد فرفعت المسألة إلى أبي نصر بن الصباغ إمام الشافعية بالجانب الغربي فقال هو حانث إذ لا بد من الفطر على أحد هذين

ورفعت المسألة إلى أبي إسحاق الشيرازي بالمدرسة فقال لا حنث عليه لأنه قد أفطر على غير هذين وهو دخول الليل قال النبي الحديث إلى ‏(‏ فقد أفطر الصائم ‏)‏

قلت وقد يقال إن الشيخ أبا إسحاق مسبوق إلى ذلك سبقه به شيخه القاضي أبو الطيب فنص في التعليقة على أن الفطر يحصل بالغروب أكل الصائم أم لم يأكل واحتج بالحديث المذكور

وكذلك قال الروياني في البحر في آخر باب الوصال ونقله الرافعي قبيل باب القضاء عن فتاوي الغزالي وكلامهم أجمعين صريح في حصول الفطر بالغروب ومسألة هذين الشيخين في قول القائل إن أفطرت على حار أو بارد ولا فرق لأن هذه العبارة يقصد بها في العرف التعميم ومطلق الفطر وقد يقال عمومها بالنسبة إلى ما يدخل الجوف من المفطرات سواء حارها وباردها وغير ذلك

قلت مسألة القاضي أبي الطيب وجماعته بالغروب وإن حصل به الفطر لكن لا يقال أفطر على حار أو بارد بل ذلك فطر شرعي لا يداخل الجوف فالذي يتجه عندي ما قاله الشيخ أبو نصر

ومما نقلته من فتاوي ابن الصباغ التي جمعها ابن أخيه القاضي أبو منصور أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد من الغرائب إذا كان له حصة في أرض مشاعة وهي لا تنقسم فجعلها مسجدا لم يصح

وقال إن ابن الصباغ ذكرها في كتابه الكامل

قلت في ذلك تأييد لابن الرفعة فإنه قال الذي يظهر أنه لا يصح إن قلنا القسمة بيع وكذا إن قلنا إقرار ولم يجوز قسمة الوقف من المطلق

قال وإن جوزناه فيشبه أن يأتي في صحته إذا أمكن الإجبار على القسمة احتمال ولكن الشيخ الإمام رحمه الله ضعف هذا وذكر أنه يصح وقفه مسجدا قال وتكون الصلاة فيه أكثر أجرا من موضع كله غير مسجد

والقول بالصحة هو ما أفتى به ابن الصلاح إلا أنه قال ثم تجب القسمة والشيخ الإمام خالفه في وجوب القسمة

ومن تفاريع الصحة أنه يحرم المكث فيه على الجنب

كذا أفتى به ابن الصلاح ووافقه الشيخ الإمام تغليبا للمنع وذكر أن القاضي شرف الدين بن البارزي أفتى بجواز المكث كما يجوز للجنب حمل محل جواز حمل المصحف إذا كان المقصود هو الأمتعة ونظير مسألتنا أن يكون كل منهما مقصودا

وفي فتاوي ابن الصباغ يستحب الوضوء لمن قص شاربه

وفيها ابن الصباغ ذكر في كتابه الكامل أنه إذا قال بعتك إذا قبلت لا يصح البيع لتعليق الإيجاب

قلت وقد يخرج فيه الخلاف في بعتك إن شئت والأصح ثم الصحة

وفيها إذا دفع ثوبا إلى خياط فقال إن كان يقطع قميصا فاقطعه فلما قطعه لم يكفه قال الشيخ يعني ابن الصباغ يحتمل أن يضمن ويحتمل ألا يضمن وحكى عن أبي ثور أنه لا يضمن

قلت المجزوم به في الرافعي والروضة وغيرهما الضمان في هذه الصورة بخلاف ما إذا قال هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه فلم يكف فإنه لا ضمان لأن الإذن مطلق

وفيها إذا قال أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب قال القاضي أبو منصور لم أجدها مسطورة فسألت شيخنا يعني ابن الصباغ فقال يقع في الحال

قال القاضي أبو منصور وسمعت من رجل ثقة كان يحضر عند القاضي أبي الطيب أن القاضي قال لا يقع لأنه لا يكون أوقع ذلك على المذاهب كلها

قال القاضي أبو منصور ولا بأس بهذا القول لأن الطلاق يصح تعليقه على الشروط الصحيحة والفاسدة ولو قال أنت طالق على مذهب فلان وفلان يعتد بخلافه ينبغي أن يقال يقع في الحال ولا أظن ذلك لأن الرجل لم يوقع طلاقه بل علقه

استشكل ابن الصباغ قول الأصحاب إن من نذر صوما لزمه صوم يوم قائلا لا ينبغي أن يكتفى بصوم يوم إذا حملنا النذر على واجب الشرع فإن أقل ما وجب بالشرع ثلاثة أيام والاستشكال معروف به وقد سبقه إليه الماوردي فقال ولو قيل يلزمه صوم ثلاثة أيام كان مذهبا لأنه أقل صوم ورد في الشرع نصا وحكاه عنه الروياني في البحر ساكتا عليه واحترز بقوله نصا عما وجب بسبب من المكلف كصوم يوم في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم من رمضان

وحاول ابن الرفعة دفع هذا الإشكال فقال لا نسلم أن أقل صوم وجب بالشرع ثلاثة أيام ابتداء ولئن سلمنا أن ذلك يشمل ما وجب بإيحاب الشرع ابتداء أبو بسبب من المكلف فصوم يوم فقط يجب بالشرع في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم م رمضان

ثم حكى كلام الماوردي وقال احترز بقوله نصا عما ذكرناه

قلت وعجبت من المعترض والمجيب فإن أقل صوم وجب بالشرع ابتداء نصا صوم يوم فإن رمضان عندنا معاشر الشافعية ثلاثون عبادة وهو أصل بيننا وبين المالكية قال أصحابنا هو ثلاثون عبادة كل منها مستقل بنفسه وخالفهم المالكية فقالوا بل صوم رمضان كله عبادة واحدة وخرج على الخلاف وجوب النية عندنا لكل يوم والاكتفاء عندهم بنية واحدة لجميع الشهر واحتج أصحابنا بأنه لا يجب التتابع في قضائه ومن يقول هذا الأصل فكيف ينكر أن أقل صوم وجب بالشرع ابتداء صوم يوم فعجبت من خفاء هذا على الماوردي وابن الصباغ ثم عجبت من عدم اعتراض ابن الرفعة به

قال الأصحاب يشترط في القاسم إذا كان منصوبا من جهة القاضي أن يكون حرا بالغا عاقلا عدلا عالما بالقسمة ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية فإنه وكيل من جهتهم

قال الرافعي كذا أطلقوه وينبغي أن يكون توكيل العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء ولو حكم الشركاء رجلا ليقسم بينهم قال أصحابنا العراقيون هو على القولين في التحكيم إن جوزناه فيكون الذي حكموه كمنصوب القاضي

انتهى

وفيه كلامان أحدهما قوله ينبغي أن يكون توكيل العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء فيه نظر فإن البيع والشراء تتعلق العهدة فيه بالوكيل ولا كذلك التوكيل فلا يلزم من منع التوكيل فيهما منعه في القسمة وبتقدير استوائهما فكان صواب العبارة أن يقول على الخلاف والتفصيل فإن الخلاف في توكيل العبد في البيع والشراء إنما هو فيما إذا كان بغير إذن السيد أما بإذنه فيجوز جزما فإن كانت القسمة مثلهما فينبغي أن يفصل هكذا

والثاني قوله في المحكم إنه على القول بجواز التحكيم كمنصوب القاضي وإن العراقيين ذكروا ذلك مراده بتخصيصهم بالذكر أن غيرهم ساكت عنه لا أن غيرهم مخالف ثم الجزم بأنه كمنصوب القاضي قد يستدرك بقول صاحب البيان ما نصه يجوز أن يكون الذي ينصبه الشريكان عبدا أو فاسقا لأنه وكيل لهما هكذا ذكره أكثر أصحابنا

وقال ابن الصباغ إذا نصب الشريكان قاسما فقسم بينهما لم تلزمه قسمته إلا بتراضيهما بقسمته بعد القرعة وجاز أن يكون عبدا أو فاسقا وإن حكما رجلا ليقسم بينهما فقسم فقولان كالقولين في التحكيم فإذا قلنا يلزم وجب أن يكون على الشرائط التي ذكرناها في قسم القاضي وإن قلنا لا تلزم قسمته إلا بتراضيهما بعد القرعة جاز أن يكون عبدا أو فاسقا ففرق بين النصب والتحكيم والطريق الأول أقيس

انتهى لفظ البيان

وخرج فيه أنه لا يتعين على القول بالتحكيم أن يكون كمنصوب القاضي بل وراءه شيء آخر وهو أن حكم المحكم هل يتوقف على التراضي فيصير منصوب القاضي شرط منه العدالة والحرية جزما ولا كذلك منصوبهما جزما أما محكمها فيشترط فيه ذلك إن قلنا إن حكمه يلزم وإن قلنا يتوقف على الرضا فهو كمنصوبهما غير أن عبارة ابن الصباغ في الشامل لا تقتضي أنه قال ذلك نقلا بل إنما قاله بحثا بعد أن اعترف بأن النقل خلافه وهذا لفظه قال في أول باب القسم من الشامل وإذا حكموا رجلا ليقسم بينهم كان على القولين إذا حكموا رجلا ليحكم بينهم فإن قلنا يصح وجب أن يكون على الشرائط التي ذكرناها في قسم القاضي وإذا قسم وأقرع فهل يلزمهما فيه وجهان وينبغي إذا قلنا لا يلزمهما إلا بتراضيهما ألا يشترط في الابتداء الحرية والعدالة

انتهى

وخرج منه أن منقول الرافعي صحيح ولم يفته إلا بحث لابن الصباغ وفي هذا البحث تطويل ينبغي اشتراطه وإن قلنا لا يلزم إلا بالتراضي فإنا سنبين توقفنا في عدم اشتراطه وإن كان منصوبا من جهتهم غير محكم فنقول كلام الرافعي أحسن من كلام صاحب البيان من الوجه الذي أبديناه فإن صاحب البيان نقل عن ابن الصباغ ما يوهم أنه قاله نقلا وإنما قاله بحثا وكلام البيان أحسن من كلام الرافعي من جهة أنه بين أن الأكثرين أطلقوا اشتراط العدالة والحرية في القاسم من غير تعرض إلى التفضيل بين منصوب القاضي ومنصوب الشركاء والأمر كذلك فإن الذي نص عليه الشافعي وذكره الجماهير إطلاق القول بأن القاسم شرطه العدالة وممن أطلق ذلك الماوردي وصاحب البحر وغيرهما وقيده ابن الصباغ وصاحب التهذيب بما إذا كان منصوب الحاكم وصرحا فيما إذا كان منصوب الشركاء بجواز كونه عبدا أو فاسقا وأما إذا كان محكما فلم يذكره صاحب التهذيب وذكره ابن الصباغ وقد أريناك كلامه وهو صريح أو كالصريح في أن المنقول فيه اشتراط العدالة والحرية وأن له بحثا أبداه فيه بناء على أن حكم المحكم لا يلزم إلا بالتراضي فجرى الرافعي على منقوله دون بحثه فإنه أعرض عن ذكره إما لضعفه عنده أو لكونه مخرجا على ضعيف أو لغير ذلك

واعلم أن تجويز كونه فاسقا أو عبدا إذا كان منصوب الشركاء خلاف ظاهر إطلاقهم ودعوى الرافعي أنهم أطلقوا اشتراط العدالة والحرية في منصوب القاضي وأطلقوا عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء مستدرك فإنهم لم يطلقوا عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء وإنما أطلقوا اشتراطهما في القاسم فقيده ابن الصباغ والبغوي بمنصوب الحاكم فأحد الشقين مسلم للرافعي وأما الشق الثاني وهو دعواه إطلاقهم عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء الذي بنى عليه بحثه المتقدم غير مسلم

وقد صرح صاحب البيان بخلافه كما رأيت وهو أنهم أطلقوا اشتراطهما في مطلق القاسم من غير تقييد بمنصوب الحاكم وأن الذي فصل إنما هو ابن الصباغ وأن طريق الإطلاق أقيس فخرج منه أنه يرجح تعميم الإطلاق واشتراط العدالة والحرية في كل قاسم سواء منصوب الشركاء وغيره وإذا كان هذا في منصوبهم وإن لم يكن محكما فما الظن بالمحكم فإن قلت هل لهذا من وجه فإن منصوب الشركاء وكيل وقد يوكل العبد والفاسق

قلت القاسم وإن كان منصوب الشركاء فليس هو وكيلا على الحقيقة فإن الوكيل لا يتولى الطرفين وهذا يتولى الطرفين فإنه يقسم لهذا ولهذا فيأخذ من هذا لهذا ما يأخذ في مقابلته من هذا لهذا أو يعين ثم يأخذ الشركاء بعد الإقراع لأن رضاهم لا بد منه بعد القرعة في هذه الصورة فكأن القسمة على كل حال فيها نوع من الولاية التي لا يصلح لها العبيد ولذلك اختلف الأصحاب كما أشار إليه في الوسيط إلى أن منصبه منصب الحاكم أو الشاهد وإن كان لك أن تقول إن هذا إنما هو في منصوب الحاكم لكن يظهر أن يقال إنها لما ذكرناه ولاية وبالجملة ما تجويز كونه فاسقا أو عبدا وإن كان منصوب الشركاء مصرح به في كلام غير ابن الصباغ والبغوي ومن تبعهما حتى يقول الرافعي إن الأصحاب أطلقوا تجويزه بل إنما أطلقوا عدم تجويزه عند إطلاقهم لفظ القاسم ثم اختلف ابن الصباغ والبغوي والعمراني فقال الأولان إن اطلاقهم مقيد بغير منصوب الشركاء وقال الثالث إنه مطلق ولقوله اتجاه ما على الجملة

466 عبد الغفار بن عبيد الله بن محمد بن زيرك بزاي مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم راء مفتوحة ثم كاف وهو غير مصروف ابن محمد بن كثير بن عبد الله التميمي أبو سعد

شيخ همذان

قال شيرويه كان ثقة صدوقا فقيها عالما له يد في الأدب وكان يعظ الناس ويتكلم في علوم القوم يعني الصوفية وكان ذا شأن وخطر عند الناس الخاص والعام وله مصنفات عزيزة في أنواع العلوم ولم يحمل عنه إلا القليل وعاجله الموت

روى عن أبيه أبي سهل والإمام أبي بكر بن لال وغيرهما من الهمذانيين وأبي الفتح بن أبي الفوارس وأبي الحسين محمد بن الحسين القطان الدارقطني وغيرهما من البغداديين

والدارقطني هذا غير الدارقطني الإمام المشهور

حدث عنه ابن أخته أبو الفضل محمد بن عثمان القومساني وغيره وحكى أنه رأى النبي المنام فكساه ثوبا فسأل معبرا فقال له إن الله تعالى يرزقك العلم وتكون إماما في عصرك

فكان كما قال وذهب اسمه في الآفاق

توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة

467 عبد الغني بن نازل بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن شاهي الألواحي

أبو محمد المصري

من أهل الواح بليدة من بلاد مصر

قدم بغداد وتفقه بها وسمع أبا طالب بن غيلان وأبا إسحاق البرمكي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب الطبري وأبا الحسن بن النرسي والقاضي أبا الحسن الماوردي وأبا يعلى بن الفراء وغيرهم

وسمع بواسط وهمذان والري وسمنان وبسطام ونيسابور من جماعات وسادات منهم أبو عثمان البحيري وأبو القاسم القشيري وخلق

ثم عاد إلى بغداد واستوطنها وحدث بها

فروى عنه أبو الفتح بن البطي وخلق

قال ابن النجار كان شيخا صالحا دينا حسن الطريقة صبورا فقيرا

قال وقرأت في كتاب أبي الفضل كماد بن ناصر بن نصر الحدادي المراغي أنه توفي في الثالث عشر من المحرم سنة ست وثمانين وأربعمائة ودفن في هذا اليوم وصلى عليه الإمام أبو بكر الشاشي

قلت ووقع في تاريخ شيخنا الذهبي أنه توفي سنة ثلاث وثمانين والأشبه ما في تاريخ ابن النجار

468 عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي الإمام الكبير الأستاذ أبو منصور البغدادي

إمام عظيم القدر جليل المحل كثير العلم حبر لا يساجل في الفقه وأصوله والفرائض والحساب وعلم الكلام

اشتهر اسمه وبعد صيته وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان

سمع أبا عمرو بن نجيد وأبا عمرو محمد بن جعفر بن مطر وأبا بكر الإسماعيلي وأبا أحمد بن عبدي وغيرهم

روى عنه البيهقي والقشيري وعبد الغفار بن محمد بن شيرويه وغيرهم

وكان يدرس في سبعة عشر فنا وله حشمة وافرة

وقال جبريل قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل بديع الترتيب غريب التأليف والتهذيب تراه الجلة صدرا مقدما وتدعوه الأئمة إماما مفخما ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها

قلت فارق نيسابور بسبب فتنة وقعت بها من التركمان

وقال عبد الغافر الفارسي هو الأستاذ الإمام الكامل ذو الفنون الفقيه الأصولي الأديب الشاعر النحوي الماهر في علم الحساب العارف بالعروض ورد نيسابور مع أبيه أبي عبد الله طاهر وكان ذا مال وثروة ومروءة وأنفقه على أهل العلم والحديث حتى افتقر صنف في العلوم وأربى على أقرانه في الفنون ودرس في سبعة عشر نوعا من العلوم وكان قد درس على الأستاذ أبي إسحاق وأقعده بعده للإملاء مكانه وأملى سنين واختلف إليه الأئمة وقرأوا عليه مثل ناصر المروزي وأبي القاسم القشيري وغيرهما

قال وخرج من نيسابور في أيام التركمانية وفتنتهم إلى أسفراين فمات بها

وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب الرياض المونقة كان يعني أبا منصور الإسفرايني يسير في الرد على المخالفين سير الآجال في الآمال وكان علامة العالم في الحساب والمقدرات والكلام والفقه والفرائض وأصول الفقه ولو لم يكن له إلا كتاب التكملة في الحساب لكفاه

وقال أبو علي الحسن بن نصر المرندي الفقيه وحدثني أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الفقيه قال لما حصل أبو منصور بأسفراين ابتهج الناس بمقدمه إلى الحد الذي لا يوصف فلم يبق بها إلا يسيرا حتى مات واتفق أهل العلم على دفنه إلى جانب الأستاذ أبي إسحاق فقبراهما متجاوران تجاور تلاصق كأنهما نجمان جمعهما مطلع وكوكبان ضمهما برج مرتفع

مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة ووقع في تاريخ ابن النجار سنة سبع وعشرين وهو تصحيف من الناسخ أو وهم من المصنف

ومن شعره

يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف ** ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف

أبشر بقول الله في آياته ** إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

قلت في استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره فائدة فإنه قدوة في العلم والدين وبعض أهل العلم ينهى عن مثل ذلك وربما شدد فيه وجنح إلى تحريمه والصواب الجواز ثم الأحسن تركه تأدبا مع الكتاب العزيز ونظيره ضرب الأمثال من القرآن وتنزيله في النكت الأديبة وهذا فن لا تسمع نفس الأديب بتركه واللائق بالتقوى أن يترك وأكثر الناس رأيت تشددا في ذلك المالكية ومع هذا فقد فعله كثير من فقهائهم حتى رأيت في كتاب المدارك في أصحاب مالك للقاضي عياض في ترجمة ابن العطار وهو من قدماء أصحابهم أنه سئل عن مسألة من سجود السهو فأفتى بالسجود فقال السائل إن أصبغ لم ير علي سجودا فقال ‏{‏لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏ وعد القاضي عياض ذلك من ملحه ونوادره

ومما أنشده ابن السمعاني في التحبير في ترجمة العباس بن محمد المعروف بعباسة

لا تعترض فيما قضى ** واشكر لعلك ترتضى

اصبر على مر القضا ** إن كنت تعبد من قضى

ومنه

يا فاتحا لي كل باب مرتج ** إني لعفو منك عني مرتج

فامتن علي بما يفيد سعادتي ** فسعادتي طوعا متى تأمر تجي

ومن تصانيفه كتاب التفسير وكتاب فضائح المعتزلة وكتاب الفرق بين الفرق وكتاب التحصيل في أصول الفقه وكتاب تفضيل الفقير الصابر على الغنى الشاكر وكتاب فضائح الكرامية وكتاب تأويل متشابه الأخبار وكتاب الملل والنحل مختصر ليس في هذا النوع مثله وكتاب نفي خلق القرآن وكتاب الصفات وكتاب الإيمان وأصوله وكتاب بلوغ المدى عن أصول الهدى وكتاب إبطال القول بالتولد وكتاب العماد في مواريث العباد ليس في الفرائض والحساب له نظير وكتاب التكملة في الحساب وهو الذي أثنى عليه الإمام فخر الدين في كتاب الرياض المونقة وكتاب شرح مفتاح ابن القاص وهو الذي نقل عنه الرافعي في آخر باب الرجعة وغيره وكتاب نقض ما عمله أبو عبد الله الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة وكتاب أحكام الوطء التام وهو المعروف بالتقاء الختانين في أربعة أجزاء

قال ابن الصلاح ورأيت له كتابا في معنى لفظتي التصوف والصوفي جمع فيه أقوال الصوفية ألف قول مرتبة على حروف المعجم

وجميع تصانيفه بالغة في الحسن أقصى الغايات

ومن الرواية عنه

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم البزدوي المقيم أبوه بالضيائية قراءة عليه وأنا أسمع بقاسيون أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي سماعا عليه أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن أبي المطهر أخبرنا القاسم بن الفضل الصيدلاني إجازة أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري أخبرنا الشيخ أبو الرجاء خلف بن عمر بن عبد العزيز الفارسي ثم النيسابوري أخبرنا الشيخ الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر أخبرنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا هشيم بن بشير عن سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ‏(‏ أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة ومسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة ‏)‏

رواه البخاري عن محمد بن سنان وعن سعيد بن النضر

ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة

ورواه النسائي في الطهارة بتمامه وفي الصلاة ببعضه عن الحسن بن إسماعيل بن سليمان خمستهم عن هشيم بن بشير به

أنشدنا الوالد رحمه الله مرة من لفظه للأستاذ أبي منصور ما كتب به إلي أحمد بن أبي طالب من دمشق أن محمد بن محمود بن الحسن الحافظ كتب إليه من مدينة السلام قال أخبرنا أبو بكر محمد بن حامد الضرير المقري بأصبهان أن أبا نصر أحمد بن عمر الغازي أخبره قال أنشدني أبو سعيد مسعود بن ناصر والسجزي قال أنشدنا الأستاذ أبو منصور لنفسه

طلبت من الحبيب زكاة حسن ** على صغر من القد البهي

فقال وهل على مثل زكاة ** على قول العراقي الكمي

فقلت الشافعي لنا إمام ** وقد فرض الزكاة على الصبي

ثم ذيل عليها الوالد رحمه الله تعالى ورضي عنه فقال

فقال اذهب إذا فاقبض زكاتي ** بقول الشافعي من الولي

فقلت له فديتك من فقيه ** أيطلب بالزكاة سوى الملي

نصاب الحسن عندك ذو اتساع ** بلحظك والقوام السمهري

فإن أعطيتنا طوعا وإلا ** أخذناه بقول الشافعي

7‏.‏ أخبرنا أحمد بن أبي طالب قال كتب إلي محمج بن محمود قال أنبأنا القاضي أبو الفتح الواسطي قال كتب إلي أبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني قال أنشدنا أسعد بن مسعود بن علي العتبي الكاتب قال أنشدني أبو منصور البغدادي لنفسه

يا سائلي عن قصتي ** دعني أمت في غصتي

المال في أيدي الورى ** واليأس منه حصتي

ومن الفوائد عنه

قال في شرح المفتاح في التسمية المسنونة في الوضوء إنها بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله غسل الكفين

وحكى أن من أصحابنا من قال لا تشترط الطهارة في الصلاة على الجنازة

وقال في الإقامة من سنتها الإدراج ولا يبرح من موقفه حتى يقول قد قامت الصلاة

قلت وظاهرة أن يتحول حينئذ وظاهر كلام الأصحاب أنه لا يتحول حتى يتممها

وقال في كتاب الوطء التام من لف ذكره بحريرة وأولجه في فرج ولم ينزل لا غسل عليه ولا حد على الأصح إن كان في حرام ولا يفسد به شيء من العبادات وعن أبي حامد المروذي إيجاب ذلك

انتهى

وفي مسألة الغسل وجوه شهيرة أصحها وجوب الغسل وثالثها الفرق بين الخرقة الخشنة والناعمة

قال النووي في زيادة الروضة قال صاحب البحر وتجري هذه الأوجه في إفساد الحج به وينبغي أن تجري في جميع الأحكام

انتهى

قلت وقوله وينبغي أن تجري في جميع الأحكام هو من كلام النووي وليس من كلام صاحب البحر وفيه على عمومه نظر إذ يلزمه أن يحل الإيلاج في خرقة في فرج أجنبية ولا أعتقد أحدا يقول به وإن اختلف في وجوب الحد وإنما ينبغي أن يجري الخلاف في جميع العبادات هل تفسد به وبه صرح الأستاذ أبو منصور كما رأينا ولم يرد النووي إن شاء الله سواه

إذا قال المريض أوصيت لزيد بما يخص فلانا أحد وراثي من ثلثى لو لم أوص

فهل تصح هذه مسألة مليحة يحتمل أن يقال بالصحة لأن له أن يوصي بكمال الثلث وبعضه موزعا على كل الورثة وإذا كان له أن يوصي بتمامه فله مع كل وارث ثلث ما يرثه فله أن يضعه في واحد معين منهم

ويحتمل أن يقال لا يصح بل ليس له إلا أن يوصي بالقدر المطلق له من الثلث فما دونه مقسوما بين ورثته على مقدار مواريثهم

وهذه المسألة وقعت في زمان الأستاذ أبي منصور وذكرها القاضي الحسين في فتاويه

وبالاحتمال الثاني أفتى أبو منصور

وذلك أن واحدا ترك ابنا وبنتا وأوصى بثلث ماله بعد نصيب البنت بحيث لا ينقص عليها شيء وأراد أن يجعل الموصي به ثلث ما يخص الابن وهو أقل من أصل الثلث وأن يحسب على الابن وحده بحيث لا يدخل نقص على البنت فاختلف على الابن فقهاء ذلك الوقت في الفتيا هل يدخل النقص عليهما جميعا أو يخص به الابن كما أوصى به الميت فقال الأستاذ أبو منصور بل يدخل عليهما جميعا وتكون المسألة من تسعة

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

469 عبد القاهر بن عبد الرحمن الشيخ أبو بكر الجرجاني

النحوي المتكلم على مذهب الأشعري الفقيه على مذهب الشافعي

أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي وصار الإمام المشهور المقصود من جميع الجهات مع الدين المتين والورع والسكون

قال السلفي كان ورعا قانعا دخل عليه لص وهو في الصلاة فأخذ ما وجد وعبد القاهر ينظر ولم يقطع صلاته

قال وسمعت أبا محمد الأبيوردي يقول ما مقلت عيني لغويا وأما في النحو فعبد القاهر

ومن مصنفاته كتاب المغني في شرح الإيضاح في نحو من ثلاثين مجلدا وكتاب المقتصد في شرح الإيضاح أيضا ثلاث مجلدات وكتاب إعجاز القرآن الكبير وإعجاز القرآن الصغير والعوامل المائة والمفتاح وشرح الفاتحة والعمدة في التصريف وكتاب الجمل المختصر المشهور وكتاب التلخيص في شرح هذا الجمل

ومن شعره

كبر على العلم لا ترمه ** ومل إلى الجهل ميل هائم

وعش حمارا تعش سعيدا ** فالسعد في طالع البهائم

توفي سنة إحدى وسبعين وقيل أربع وسبعين وأربعمائة

470 عبد الكريم بن أحمد بن الحسن بن محمد الطبري أبو عبد الله الشالوسي

من قرية شالوس بفتح الشين المعجمة وضم اللام بعد الألف بعدها واو ساكنة ثم سين مهملة وهي من نواحي آمل طبرستان

كان من الأئمة في العلم والدين

قال ابن السمعاني أبو عبد الله فقيه عصره بآمل ومفتيها ومدرسها وكان واعظا زاهدا وبيته بيت الزهد والعلم

سمع الحديث وعمر حتى حدث ثم ورد بغداد وخرج إلى الحجاز وسمع أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء إما بمكة أو بمصر

وقال أعني ابن السمعاني في الأنساب غالب ظني أنه سمع منه بمكة

قال وقد سمع منه القاضي أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني الحافظ وأثنى عليه وذكر أنه سمع من ابن نظيف بمصر

قلت الشالوسي شيخ دوير الكرخي وكلاهما مذكور في فتاوي الحناطي في مسألة وصول القراءة إلى الميت توفي الشالوسي سنة خمس وستين وأربعمائة

471 عبد الكريم بن أحمد بن طاهر بن أحمد بن إبراهيم القاضي أبو سعد الطبري التيمي بميم واحدة

يعرف بالوزان

من أهل طبرستان نزل الري

من رؤساء عصره وكبرائهم فضلا وحشمة وجاها ونعمة

قال عبد الغافر وكان له القدم الراسخ في المناظرة وإفحام الخصوم والكرم الباذخ الراقي إلى مناط النجوم

وذكر ابن السمعاني أنه تفقه بمرو على الإمام أبي بكر القفال المروزي وبرع في الفقه

وقال القاضي أبو محمد عبد الله بن يوسف الحافظ إنه ولي قضاء ساوة ثم قضاء همذان

سمع القفال المروزي والأستاذ أبا إسحاق الإسفرايني وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري والأستاذ أبا منصور البغدادي وغيرهم

روى عنه زاهر بن طاهر وغيره

قال عبد الغافر توفي سنة تسع وستين وأربعمائة

وقال عبد الله بن يوسف الجرجاني سنة ثمان وستين

والله أعلم